Wednesday, October 8, 2008

السعادة .. خرافة


 

السعادة .. خرافة

قبل أن أتخرج من المدرسة الثانوية .. كانت الحياة قمة السعادة ..فلا مسؤولية ولا قلق ولا خوف من مرض أو إرهاق .. أو من أي شي ..
حياتي كانت بسيطة جداً .. فذهاب للمدرسة .. وعودة منها .. متابعة الدروس .. وكان الذهاب مع الوالد .. للحداق (صيد السمك) .. قمة السعادة .. وكذلك الاستحمام في البحر كان يشكل متعة كبيرة لي ..
فالحياة كانت سهلة بالنسبة لي .. في العطلة الصيفية .. تسافر الأسرة لمكان ما لقضاء العطلة .. واعتقد كان شعوري بالسعادة والراحة ناتج .. من عدم تحملي مسؤولية أي شيء .. فالمسؤولية ليست من اختصاصي وقتها .. بل هي من اختصاص والدي .. اللذين .. هيئا لي كل سبل الراحة ..

ولكن مشكلتي الوحيدة ..في المدرسة .. كانت في كتابة الإنشاء .. ففي كل سنة دراسية من سنين المرحلة الثانوية .. كانت تصر مدرسة اللغة العربية .. على كتابة موضوع إنشاء عن " السعادة " (قد يكون ذلك الاختيار ربما لأن المدرسة كانت تبحث عن السعادة .. فلربما أعطتها إحدى تلميذاتها .. تعريف لها) ..
ورغم قدرتي على كتابة الإنشاء .. بشكل جيد .. إلا أن هذا الموضوع .. لم استطع كتابته يوماً .. واذكر جيداً .. أنني لم استطع .. إيجاد تعريف للسعادة باستخدام كلماتي البسيطة .. فيتحول الموضوع إلى فكرة السفر .. أو صيد السمك .. أو الاستقرار في الأسرة .. وهكذا .. ولم استطيع يوماً كتابة موضوع عن السعادة ..
وبعد تخرجي من الثانوية .. جاء اكتشافي الاول .. ليس هناك ما يطلق عليه سعادة .. بل ان السعادة هي وهم كبير .. وجاء هذا الشعور .. بعدما قررت الدخول إلى الجامعة .. وكنت أود الالتحاق بتخصص معين .. ولم استطع .. وبالتالي تخصصت في اللغة الإنجليزية ..
ولم أكن سعيدة فرحة .. بل جاء ت الصدمة .. عندما اكتشفت أنني مجبرة على تخصص .. لم أرغب به .. فبدأت اشعر .. بنوع من الاضطهاد العلمي .. وانني ادرس في خطة دراسية .. لا يهمني نصف ما فيها ..
ثم توالت بعد ذلك العديد من الأمور المسببة للقلق والتعاسة والخوف .. منها نوع الوظيفة التي أرغب في الحصول عليها .. و كذلك تزعزع العامل الاقتصادي في تجارة الأسرة .. إضافة إلى مرض الوالد (رحمه الله) ..
وبدأ القلق يأخذ مجرى رئيسي في حياتي .. لم يكن هناك تعاسة بمعنى الكلمة .. ولكن كان هناك قدر كبير من القلق والخوف .. والتربص لما سيأتي به القدر من أمور غير مريحة .. أو مخيفة ..
وبدأت .. اقتنع أن السعادة .. خرافة .. وأن هذا المفهوم .. هو مجرد ابتكار .. لحالة افتراضية غير موجودة .. ومرت الأيام والسنين و أنا أرى حياتي .. بها الكثير من القلق والخوف (غير المبرر طبعاً) .. وتساؤلاتي مع نفسي عن السعادة في تزايد .. وخلال هذه السنين .. أنجزت الكثير من الأمور .. الحصول على الشهادة الجامعية وما تلاها من دراسات عليا .. كذلك الاستقرار في وظيفة مرموقة لها وزنها في المجتمع .. والزواج .. ومررت بظروف قاسية من فقدان أحبائي بسبب الوفاة .. فكانت هناك أحزان ومعارك ضد الأمراض .. وهزائم ..
وبنظرة عميقة .. وجدت أنه بالرغم من هذه المراحل والظروف الصعبة .. كانت هناك العديد من المواقف السعيدة .. والكثير من الإنجازات الطيبة المرضية ..
واليوم اكتشفت اكتشاف عكسي .. وهو أن السعادة .. ليست خرافة كما كنت اعتقد .. بل أن السعادة تأتي في الرضا بما قسمه الله لنا .. والإنجاز والاقتناع بقيمته .. هو مصدر للسعادة ..
بعد كل هذه السنين .. استطيع بثقة .. كتابة موضوع عن السعادة .. وبعد خبرة لا بأس بها مع الحياة ..
السعادة .. هي أمر نسبي .. الشعور بالراحة .. والقدرة على الإنجاز .. والقناعة بما قسمه الله .. والرضا به ..
فالحصول على القدر المطلق من الراحة .. أمر صعب .. ولكن الحصول على قدر ولو بسيط منها .. يعطي شعور يالسعادة ..
الإنجاز .. كلنا بدون شك .. ننجز .. على المستوى الخاص أو العام .. وبقدر الإنجاز .. تكون هناك نسبة من السعادة ..
القناعة بما قسمه الله لنا .. والرضا به .. أهم سبيل للسعادة .. الإيمان العميق ..أن ما يحدث من خير او شر للفرد منا .. والرضا به .. من أكبر عوامل السعادة ..

وبعد هذا كله .. اكتشفت .. أنني كنت سعيدة .. وبنسبة كبيرة (ولله الحمد) .. وأنني كبشر .. من الطبيعي أن اقلق وأخاف و أتعب .. وأيضا من الطبيعي أستفيد وأنجز وأرضى وأفرح ..

السعادة .. حقيقة .. وليست خرافة .. ونحن من يصنعها ..
السعادة .. لا تأتي إليك .. عليك أن تفهمها .. وتدركها .. حتى تستطيع الوصول إليها.

 
 
عزيزة نفس
نور العيسى
6/10/2008

14 comments:

  1. بوست رائع يا بنت سيف

    القناعة والرضا مفتاح السعادة
    إمتلاك الأشياء سعادتها تزول بعد فترة من التعود
    والوصول لغاية ما سعادتها تزول حين نحلم بغايات أكبر
    ولكن السعادة مع النفس والرضا بما قسمه الله غاية لا يدركها إلا القليل والله يكتبنا منهم

    السعادة نصنعها لأنفسنا وسرها بسييييييط


    صح قلمج :)))))

    ReplyDelete
  2. ما كتبتيه عن السعادة جميل

    وخاصة أنك اقتنعتي به بعد تجربة طويلة وصعبة.

    رحم الله من فقدتي. والله يعطيكم الصبر والسلوان.

    هذا موضوع في الرابط التالي عن السعادة كتب بطريقة مختلفة، يفرق بين الرضى والسعادة والبهجة.

    http://rldvw.blogspot.com/2008/06/blog-post.html

    ReplyDelete
  3. رائع جدا


    فعلا السعادة تتمثل بـ

    بل أن السعادة تأتي في الرضا بما قسمه الله لنا


    من حاز نفسا راضية
    ورضي عن الله سبحانه وتعالى

    ارضاه الله

    اسأل الله ان يرضى عنا ويرضينا في الدنيا والاخرة

    جزاك الله خير

    ReplyDelete
  4. جميل
    :)

    نسأل الله ان يرزقنا السعادة الحقيقية

    اجمعين ان شاء الله

    دمتي بالف خير عزيزتي

    ReplyDelete
  5. الاخت بنت سيف يعطيج العافية على الموضوع الجميل و الاسلوب الاجمل
    عندما نضحي في سبيل سعادة الآخرين
    فاننا نشعر بالسعادة
    و طرق السعادة كثيرة في هذه الحياة
    و هذه بعض الكلمات الخالدة في هذا الموضوع :
    يقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام :السعادة الحقيقية هي سعادة الآخرة و هي أربعة أنواع : بقاء بلا فناء ، و علم بلا جهل ، و
    قدرة بلا عجز ، و غنى بلا فقر

    السعادة ليست في امتلاك كل شيء و لكنها في الشعور بالقناعة بأقل شيء
    (الكوهنت هبليجون)

    و ما السعادة في الدنيا سوى شبح
    يرجى فان صار جسما مله البشر
    (جبران خليل جبران)

    ReplyDelete
  6. أختي العزيزة .. Yin

    نعم السعادة نحن نصنعها ..

    الرضا والقناعة مفاتيحها

    استغرقت وقت طويل لأفهمها

    شكرا مروركِ الجميل

    تحياتي

    ReplyDelete
  7. Salah

    شكرا لك

    نعم اقتنعت ..

    وربما كنت احتاج للمرور في هذه التجارب

    حتى استطيع إدراك معني السعادة

    شكرا على العنوان

    هلا ومرحب

    ReplyDelete
  8. أبولطيف .. أخي الكريم


    الرضا .. بما قسمه الله .. هو من نعم الله على الإنسان

    ومتى ما اقتنع ورضا

    تفتحت له أبواب السعادة

    شاكرة لك .. الدعاء الطيب

    تحياتي

    ReplyDelete
  9. Manalq8 .. أختي العزيزة


    اللهم آمين

    أسال الله أن ينعم علينا بالرضا والقناعة .. بما قسمه لنا


    شكرا حبوبة على المرور


    هلا ومرحب

    ReplyDelete
  10. الأخ الفاضل .. أحمد نبيل


    شاكرة لك الإطراء الطيب

    جزاك الله خير


    النضحية .. هي أحد مصادر السعادة

    والتضحية لمن نحب .. تكون سعادتها أكبر

    العطاء .. للآخرين يحقق السعادة أيضا ..

    مقولات جميلة .. شاكرة لك إضافتها للموضوع

    تحياتي

    ReplyDelete
  11. السعادة هي أمر نسبي و لكن يمكن ان أضيف الى ما ذكرت ان التصالح مع النفس و التسامح و االرضا بما قدره الله سبحانه و تعالى ... تؤدي الى السعادة بشكل أو بآخر
    و دمت عزيزة

    ReplyDelete
  12. Juhaina

    اتفق معاج ..

    الرضا بما قسمه الله

    والله كريم

    ReplyDelete
  13. The essay on "Happiness" is so true and sad. Full happiness does not exist--just the absence of pain or suffering. May be in paradise we will experience this kind of perfect happiness. But here we just settle for moments of "rahah" as you say, or some achievement here and there. Other than that, fear is always there from what the future might bring.

    ReplyDelete
  14. Dear anonymous

    True .. Happiness can be any little thing that may bring comfort to the soul. But the fear from what the future may bring is a major destruction of happiness. I think .. we should relax and try enjoy the moment.

    ReplyDelete